سورة النور - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الذين كفروا} قرأ ابن عامر، وحمزة عن عاصم: {لا يَحْسَبَنَّ} بالياء وفتح السين. وقرأ الباقون: بالتاء وكسر السين.


قوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانُكم} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجَّه غلاماً من الأنصار يقال له: مُدْلج بن عمرو إِلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه، فدخل فرأى عمر على حالة كره عمرُ رؤيتَه عليها، فقال: يا رسول الله، وددتُ لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن أسماء بنت مرثد كان لها غلام، فدخل عليها في وقت كرهتْه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إِنَّ خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
ومعنى الآية: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم؛ وفيهم قولان:
أحدهما: أنه أراد الذكور دون الإِناث، قاله ابن عمر.
والثاني: الذكور والإِناث، رواه أبو حصين عن أبي عبد الرحمن. ومعنى الكلام: ليستأذنكم مماليككم في الدخول عليكم. قال القاضي أبو يعلى: والأظهر أن يكون المراد: العبيد الصغار والإِماء الصغار، لأن العبد البالغ بمنزلة الحر البالغ في تحريم النظر إلى مولاته، فكيف يضاف إِلى الصبيان الذين هم غير مكلفين؟!
قوله تعالى: {والذين لم يبلغوا الحُلُم} وقرأ عبد الوارث: {الحُلْم} باسكان اللام {منكم} أي: من أحراركم من الرجال والنساء، {ثلاث مرات} أي: ثلاثة أوقات؛ ثم بيَّنها فقال: {من قبل صلاة الفجر} وذلك لأن الإِنسان قد يَبِيت عُرياناً، أو على حالة لا يحب أن يُطَّلع عليه فيها {وحين تضعون ثيابكم من الظَّهيرة} أي: القائلة {ومن بعد صلاة العشاء} حين يأوي الرجل إِلى زوجته. {ثلاثُ عَوْرات} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وحفص عن عاصم: {ثلاثُ عورات} برفع الثاء من {ثلاث}، والمعنى: هذه الأوقات هي ثلاث عورات، لأن الإِنسان يضع فيها ثيابه، فربما بدت عورته. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {ثلاثَ عورات} بنصب الثاء؛ قال أبو علي: وجعلوه بدلاً من قوله: {ثلاثَ مَرَّات} والأوقات ليست عورات، ولكن المعنى: أنها أوقات ثلاث عورات، فلما حذف المضاف أعرب باعراب المحذوف. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وسعيد بن جبير، والأعمش: {عَوَرات} بفتح الواو، {ليس عليكم} يعني: المؤمنين الأحرار {ولا عليهم} يعني: الخدم والغلمان {جُنَاح} أي: حرج {بَعْدَهُنَّ} أي: بعد مُضي هذه الأوقات، أن لا يستأذنوا. فرفع الحرج عن الفريقين، {طَوَّافُون عليكم} أي: هم طوافون عليكم {بعضُكم على بعض} أي: يطوف بعضكم وهم المماليك على بعض وهم الأحرار.
فصل:
وأكثر علماء المفسرين على أن هذه الآية محكمة، وممن روي عنه ذلك ابن عباس، والقاسم بن محمد، وجابر بن زيد، والشعبي. وحكي عن سعيد بن المسيب أنها منسوخة بقوله: {وإِذا بلغ الأطفال منكم الحُلُم فليستأذِنوا}؛ والأول أصح، لأن معنى هذه الآية: وإِذا بلغ الأطفال منكم، أو من الأحرار الحلم، فليستأذنوا، أي: في جميع الأوقات في الدخول عليكم {كما استأذن الذين مِنْ قَبْلهم} يعني: كما استأذن الأحرار الكبار، الذين هم قبلهم في الوجود، وهم الذين أُمروا بالاستئذان على كل حال؛ فالبالغ يستأذن في كل وقت، والطفل والمملوك يستأذنان في العورات الثلاث.
قوله تعالى: {والقواعدُ من النِّساء} قال ابن قتيبة: يعني: العُجْزَ، واحدها: قاعدٌ، ويقال: إِنما قيل لها: قاعدٌ، لقعودها عن الحيض والولد، وقد تقعد عن الحيض والولد ومِثْلُها يرجو النكاح، ولا أُراها سميتْ قاعداً إِلا بالقعُود، لأنها إِذا أسَنَّتْ عجزتْ عن التصرُّف وكثرة الحركة، وأطالت القعود، فقيل لها: قاعد بلا هاء، ليدلّ حذف الهاء على أنه قعود كِبَر، كما قالوا: امرأةٌ حاملٌ، ليدلُّوا بحذف الهاء على أنه حمل حَبَل، وقالوا في غير ذلك: قاعدةٌ في بيتها، وحاملةٌ على ظَهرها.
قوله تعالى: {أن يَضَعْنَ ثيابهُنَّ} أي: عند الرجال؛ ويعني بالثياب: الجلباب والرداء والقناع الذي فوق الخِمار، هذا المراد بالثياب، لا جميع الثياب، {غيرَ متبرِّجاتٍ بزِينَةٍ} أي: من غير أن يُرِدْنَ بوضع الجِلباب أن تُرى زينتُهن، والتبرُّج: إِظهار المرأة محاسنها، {وأن يَسْتَعْفِفْنَ} فلا يَضَعْنَ تلك الثياب {خَيْرٌ لَهُنَّ}، قال ابن قتيبة: والعرب تقول: امرأةٌ واضعٌ: إِذا كبِرتْ فوضعت الخِمار، ولا يكون هذا إِلا في الهرِمة. قال القاضي أبو يعلى: وفي هذه الآية دلالة على أنه يُباح للعجوز كشف وجهها ويديها بين يدي الرجال، وأما شعرها، فيحرم النظر إِليه كشعر الشابَّة.


قوله تعالى: {ليس على الأعمى حَرَجٌ} في سبب نزولها خمسة أقوال.
أحدها: أنه لمّا نزل قوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [النساء: 29] تحرَّج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزَّمنى والعُمْي والعُرْج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يُبْصِر موضع الطعام الطيِّب، والمريض لا يستوفي الطعام، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن ناساً كانوا إِذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إِذا احتاجوا، فكانوا يَتَّقون أن يأكُلوا منها، ويقولون: نخشى أن لا تكون أنفُسُهم بذلك طيِّبة، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن المسيب.
والثالث: أن العُرجان والعُميان كانوا يمتنعون عن مؤاكلة الأصحاء، لأن الناس يتقذَّرونهم، فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، والضحاك.
والرابع: أن قوماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إِذا لم يكن عندهم ما يُطعمون المريض والزَّمِن، ذهبوا به إِلى بيوت آبائهم وأُمهاتهم وبعض من سمَّى اللّهُ عز وجل في هذه الآية، فكان أهل الزمَّانَة يتحرَّجون من أكل ذلك الطعام لأنه أطعمهم غير مالكه، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
والخامس: أنها نزلت في إِسقاط الجهاد عن أهل الزمَّانَة المذكورين في الآية، قاله الحسن، وابن زيد.
فعلى القول الأول يكون معنى الآية: ليس عليكم في الأعمى حرج أن تأكلوا معه، ولا في الأعرج، وتكون {على} بمعنى في، ذكره ابن جرير. وكذلك يخرَّج معنى الآية على كل قول بما يليق به. وقد كان جماعة من المفسرين يذهبون إلى أن آخر الكلام {ولا على المريض حرج} وأن ما بعده مستأنَف لا تعلُّق له به، وهو يقوِّي قول الحسن، وابن زيد.
قوله تعالى: {أن تأكُلوا من بيوتكم} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بيوت الأولاد.
والثاني: البيوت التي يسكنونها وهم فيها عيال غيرهم، فيكون الخطاب لأهل الرجل وولده وخادمه، ومَن يشتمل عليه منزله، ونسبها إِليهم لأنهم سكّانها.
والثالث: أنها بيوتهم والمراد أكلُهم من مال عيالهم وأزواجهم، لأن بيت المرأة كبيت الرجل.
وإِنما أباح الأكل من بيوت القرابات المذكورين، لجريان العادة ببذل طعامهم لهم؛ فإن كان الطعام وراء حِرْزٍ، لم يجز هتك الحرز.
قوله تعالى: {أو مَا مَلَكْتُمْ مفاتحه} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه الوكيل، لا بأس أن يأكل اليسير، وهو معنى قول ابن عباس. وقرأها سعيد بن جبير، وأبو العالية: {مُلِّكْتُمْ} بضم الميم وتشديد اللام مع كسرها على ما لم يسمَّ فاعله، وفسَّرها سعيد فقال: يعني القهرمان الذي بيده المفاتيح. وقرأ أنس بن مالك، وقتادة، وابن يعمر {مِفْتَاحَه} بكسر الميم على التوحيد.
والثاني: بيت الإِنسان الذي يملكه، وهو معنى قول قتادة.
والثالث: بيوت العبيد، قاله الضحاك.
قوله تعالى: {أو صَدِيقِكُمْ} قال ابن عباس: نزلت هذه في الحارث بن عمرو، خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غازياً، وخلَّف مالك بن زيد على أهله، فلما رجع وجده مجهوداً، فقال: تحرَّجْتُ أن آكل من طعامك بغير إِذنك، فنزلت هذه الآية. وكان الحسن وقتادة يريان الأكل من طعام الصَّديق بغير استئذان جائزاً.
قوله تعالى: {ليس عليكم جُنَاحٌ أن تأكُلوا جميعاً} في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال.
أحدها: أن حيّاً من بني كنانة يقال لهم: بنو ليث كانوا يتحرَّجون أن يأكل الرجل الطعام وحده؛ فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إِلى الرَّواح، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة والضحاك.
والثاني: أن قوماً من الأنصار كانوا لا يأكلون إِذا نزل بهم ضيف إِلا مع ضيفهم، فنزلت هذه الآية، ورخِّص لهم أن يأكلوا جميعاً أو أشتاتاً، قاله عكرمة.
والثالث: أن المسلمين كانوا يتحرَّجون من مؤاكلة أهل الضُّرِّ خوفاً من أن يستأثروا عليهم، ومن الاجتماع على الطعام، لاختلاف الناس في مآكلهم وزيادةِ بعضهم على بعض، فوسِّع عليهم، وقيل: {ليس عليكم جُناح أن تأكُلوا جميعاً} أي: مجتمعين {أو أشتاتاً} أي: متفرِّقين، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {فإذا دخلتم بيوتاً} فيها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها بيوت أنفسكم، فسلِّموا على أهاليكم وعيالكم، قال جابر بن عبد الله، وطاووس، وقتادة.
والثاني: أنها المساجد، فسلِّموا على مَنْ فيها، قاله ابن عباس.
والثالث: بيوت الغير؛ فالمعنى: إِذا دخلتم بيوت غيركم فسلِّموا عليهم، قاله الحسن.
قوله تعالى: {تحيةً} قال الزجاج: هي منصوبة على المصدر، لأن قوله: {فسلِّموا} بمعنى: فحيُّوا وَلْيُحَيِّ بعضكم بعضاً تحيَّةً، {من عند الله} قال مقاتل: مباركة بالأجر، {طيبةً} أي: حسنة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8